Sunday, September 18, 2011

الست سيرينا

كنت في بيت جدتي، وهو بيت عتيق وتحفة معمارية بمعنى الكلمة، مبنى موجود من أكتر من 100 سنة في شارع فؤاد في إسكندرية، الشارع ده أصلاً حكايته عجيبة، كل مرة على مر التاريخ يسموه باسم مختلف، مرة يسموه شارع فؤاد الأول ومرة تانية يسموه "طريق الزعيم جمال عبد الناصر" وحالياً اسمه "طريق الحرية"، بس الناس لحد دلوقتي بتستعمل اسم "شارع فؤاد" يمكن لأنه أسهل ويمكن لأن "طريق الحرية" مسمى غير دقيق بيطلق على طريق طويل بيمتد من لوران لحد محطة الرمل، فأعتقد إن الناس بتستخدم اسم "شارع فؤاد" عشان يسهلوا على نفسهم حاجات كتير.

المهم نرجع لبيت جدتي، زي ما قلت، بيت عتيق مكون من 4 أدوار بس، لما تعدي في الشارع وتشوفه ممكن تحس إنه فعلاً تحفة معمارية وممكن تقول إنه مسكون بلا روح، مع إن البيت مليان سكان، بس للأسف أنا بحس إن البيوت القديمة على الرغم من إنها كانت حلوة زمان في الصور والأفلام وعلى الرغم من إن الناس مكانتش كتير زي دلوقتي، إنما كنت تحس فعلاً بعظمة وجمال الأبنية المختلفة، إنما دلوقتي العكس المباني اللي موجودة ضخمة وكتيرة إنما تحس فيها بالجمود والصرامة والبيوت القديمة تبص عليها من بعيد وتصورها بس دايماً في حسرة على زمن جميل فات. كل ما بروح بيت جدتي بفكر في الناس اللي كانوا عايشين فيه زمان، بيت زي بيوت كتيرة في إسكندرية القديمة تابعة للحكومة وبيتغير سكانها بس مش كتير، إنما لما تعرف أو تسمع عن الناس اللي كانوا ساكنين في البيوت دي وراحوا فين بعد كدة وحالهم ايه دلوقتي، متقدرش غير إنك متصدقش أو تحس إن اللي إنت بتسمعه ده فيلم أو رواية عجيبة.

كنت قاعدة مع والدتي ولقيت طبق كنت دايماً باكل فيه يجي من 20 سنة واستغربت إن الطبق لسة بحالته ومتغيرش، والتفت وقلت للي موجودين "الطبق لسة عايش؟" ضحكوا وقالولي "إنتي تعرفي ده أصلاً بتاع مين؟"

كانت الإجابة بالنسبة لي بديهية ورديت عليهم بلا مبالاة وأنا حاسة إنهم حيبدأوا شريط الذكريات اللي مش بينتهي، وقلتلهم "بتاع تيتا أكيد يعني."

قالوا "لا ده بتاع سيرينا."

"مين سيرينا دي؟" وفضلت بنفس اللهجة وأنا متخيلة إنها شغالة أو مربية.

"دي كانت جارتنا اليهودية وكانت ساكنة تحتنا."

عند النقطة دي وابتدى الفضول يحركني ويخليني أفضل أسأل، لحد ما عرفت إن كان في أسرة يهودية عايشة في البيت ده زي غيرها من العائلات اليهودية الكتيرة اللي كانت موجودة منذ فترة طويلة في مصر، وللأسف اضطروا إنهم يسيبوا مصر بعد قرار عبد الناصر بترحيلهم، وسمعت عن قد ايه الست سيرينا كانت متضايقة جداً وبتعيط عشان حتسيب مصر "بلدها" وإزاي كانت بتبيع كل مقتنياتها للجيران والأصحاب اللي كانوا بيحبوها واللي كانوا مش عايزينها تسافر.

وسافرت سيرينا وعيلتها ومرجعوش تاني للبيت وبيتهم سكنوه ناس تانيين، لما أفكر في قد ايه أهلي الكبار كانوا بيتحاكوا عن سيرينا، أشوف قد ايه الناس كانت متسامحة وبتحب بعض حتى لو كانت الديانة مختلفة، وأفكر في الست البسيطة سيرينا اللي كانت حاسة إن دي بلدها وبتعيط بحرقة ومش عايزة تسيبها، ويجي في بالي الناس اللي من سني اللي بيفكروا كل يوم إنهم يسيبوا نفس البلد بمزاجهم وهما حاسين إنهم عملوا بطولة ونفدوا بجلدهم.